التحولات السياسية والاجتماعية في أوربا خلال القرنين 15 و16م جدع مشترك علمي

تقديم إشكالي:

انبثقت البورجوازية من أحضان المجتمع الفيودالي، وتحملت مسؤولية التغيير الاجتماعي والسياسي مع منطلق العصر الحديث بأوربا.
  • فما أسباب ومظاهر تفكك النظام الإقطاعي؟
  • ما الأوضاع العامة التي ساهمت في بروز الطبقة البورجوازية؟
  • وما خصائص التحولات السياسية خلال القرنين 15 و16؟

I – أسباب ومظاهر تفكك النظام الإقطاعي والأوضاع التي ساهمت في بروز البورجوازية:

1 – أسباب ومظاهر تفكك النظام الإقطاعي بأوربا خلال القرنين 15 و16م:

مع مطلع ق 15م بدأت مظاهر النظام الإقطاعي تتفسخ نتيجة أسباب متعددة منها:
أ – أسباب اقتصادية، تتمثل في:
  • - تأزم الفلاحة بالبوادي إذ لم تحتمل أجور الفلاحين الأسعار المرتفعة التي عرفتها هذه المرحلة.
  • - نمو المبادلات التجارية بالمدن بعد الاكتشافات الجغرافية، حيث تحولت الطرق التجارية من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي، وانتقل مركز التجارة إلى الدول الأوربية، فازدهرت المعادن خاصة الذهب والفضة وبالتالي انتعشت الصناعة والتجار.
  • - الانتقال من العمل الحرفي إلى الصناعة الضخمة الإنتاج، وذلك بسبب الحاجة إلى الإنتاج السلعي مما أدى إلى ازدهار نظام المشاغل وارتفاع الإنتاج وتوفر الموارد المالية.
  • - استخدام النقود بدل المبادلات العينية أدى إلى تراكم الأموال وظهور المؤسسات البنكية.
ب – أسباب اجتماعية ارتبطت بالتحولات الاقتصادية، وكانت نتيجة لتحولاتها، وتتمثل في:
  • - ثورات الفلاحين وهجرة الأقنان إلى المدن بسبب تأزم الوضع في المجال الفلاحي، وكذلك أدى بالفلاحين إلى العمل في المصانع والمشاغل.
  • - ظهور الطبقة البورجوازية التجارية حيث تراكمت الأموال عند التجار الكبار بوصول المعادن النفيسة الذي خلق رواجا تجاريا ساعد المؤسسات البنكية على لعب دورهم في المجال الاقتصادي.
  • - تبعية الصانع التاجر بدل الإقطاعي ساعد ذلك على تشكل طبقة عمالية بالمدن.
ج – أسباب سياسية ودينية مرتبطة ب:
  • - تطلع البورجوازية إلى السلطة حيث أصبحت تساند الملكية المطلقة، إذ بسبب نفوذها المالي أصبحت لها طموحات سياسية، كما أن مصالحها تفرض عليها مساندة الملكية المطلقة ضد الكنيسة التي تعرقل طموحاتها.
  • - انتشار الفكر البروتستاني المتحرر المعارض للكنيسة حيث سيؤدي هذا التعارض والانتقاد للكنيسة الكاثوليكية لاندلاع الحروب الدينية.
ومن مظاهر وتجليات تفكك النظام الإقطاعي نذكر:
  • - ازدهار التجارة وتزايد التعامل النقدي بدل العيني.
  • - نزوح الأقنان نحو المدن هربا من الأسياد.
  • - ازدهار نظام المشاغل (الحرف) المدعمة من طرف البورجوازية.

2 – الأوضاع العامة المساهمة في ظهور البورجوازية ودور هذه الأخيرة في التحولات السياسية:

شهدت إيطاليا مختلف العوامل التي أدت إلى ظهور الطبقة البورجوازية المرتبطة بالتجارة واستفادة الطبقة من النظام التربوي عن طريق تكوين رجال أعمالها وتجارها مما سيؤدي إلى تطور التجارة لا سيما بعد وضع الخرائط التجارية واكتشاف البوصلة والأسطرلاب، حيث ستؤدي الاكتشافات الجغرافية إلى تدفق المعادن النفيسة وبالتالي تراكم الأموال وظهور مؤسسات مصرفية وبنكية لهذه الطبقة البورجوازية، وللحفاظ على مصالحها وبسبب نفوذها المالي أصبحت تتطلع إلى السلطة وعملت على مساندة الدولة الحاكمة ضد الكنيسة الكاثوليكية، حيث أحلت سلطة الدولة محل سلطة الكنيسة واعتبرت سلطة الدولة مستمدة من إرادة الشعب.

II – ظروف نشأة الحكم المطلق في الدولة المدنية، والدولة الأمة ودور الفكر السياسي في دعمه:

1 – نشأة الحكم المطلق في أوربا خلال القرنين 15 و16م:

  • - مفهوم الدولة وظهور الملكية المطلقة: الدولة هي تنظيم سياسي وقانوني يرتبط بمقتضاه بجماعة من الناس، وهي أعلى سلطة لها إدارة مركزية وجهاز سياسي وجبائي وعسكري، ظهرت الدولة الحديثة وتطورت خلال ق 16م نتيجة صراعات فكرية واجتماعية واقتصادية عرفتها أوربا خلال ق 15م، وجاءت على أنقاض أنماط حكم كانت سائدة في أوربا (جمهورية، المدينة، المملكة).
  • - الدولة المدينة في أوربا الغربية: ظهرت الدويلات المدن في إيطاليا خلال ق 15م بعد التخلص من النظام الإقطاعي، وهي دويلات المدن ذات كيان اقتصادي وسياسي واجتماعي ودفاعي مستقل.
  • - الدولة – الأمة في أوربا الغربية: الأمة جماعة من الناس استقرت بأرض معينة تربطهم مصالح مشتركة، كما تجمعهم اللغة والدين والتقاليد، وقد ظهر هذا المفهوم في أوربا خلال ق 16م عندما بدأت الممالك تتوحد وبدأت الدولة تنفصل عن الفكر الديني وترتكز على الفكر العقلاني، وتفككت عن السلطة الدينية لتحمل محلها المدينة وأصبح الولاء للحاكم الذي يجسد الدولة مما أدى إلى نمو الشعور القومي لتظهر الدول العظمى كألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا ذات نظام ملكي، بل اتسع نفوذ بعضها ليصبح إمبراطوريا، مثل: الإمبراطورية العثمانية.

2 – عرف الفكر السياسي تطورا مهما خلال القرنين 15 و16م:

تطور الفكر السياسي في أوربا خلال العصر الحديث ومن مؤسسيه “نيكولا مكيافيللي” بإيطاليا، و”توماس هوبس” بإنجلترا، و”جان بودان” بفرنسا، وقد عبروا عن الفكر السياسي من خلال مجموعة من المؤلفات، وبذلك برغبتهم في تغيير الأوضاع منذ بداية ق 16م حيث دعا “مكيافيللي” إلى: فصل السياسة عن الأخلاق، ودعم الدولة الحديثة، دعا الأمير إلى التحلي بالتسامح والإخلاص، وفي نفس الوقت وجوب تمتعه بالدهاء السياسي للكشف عن الأخطار الخارجية ومواجهتها (القوة)، أما “جان بودان” فمنح السلطة والسيادة للملك (الدولة- الأمة)، ودعا إلى ضرورة تقوية السلطة الملكية المطلقة كحل لتجاوز الحروب الأهلية والانقسام السياسي داخل فرنسا، وفرض الأمير (الحاكم، الملك) لسيادته وإرادته، ووافقه في ذلك “توماس هوبس” ودعم موقفه بإيجاد ميثاق سياسي وهو عقد مكتوب يربط الحاكم بالشعب يكون أساسه المصلحة العامة، في حين أنه يختلف معه في كيفية فرض هذه السيادة، وكان الهدف الأساسي من هذه الأفكار تعزيز الدولة الأمة ودعم الملكية المطلقة.

خاتمة:

تمكنت الطبقة البورجوازية بأوربا خلال القرنين 15 و16م من تغيير البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لصالحها لأجل احتكار السلطة والثورة تمهيدا لتوسيع نفوذها الخارجي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التحولات الفكرية والعلمية والفنية (الحركة الإنسية) جدع مشترك علمي

التطورات السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي جدع مشترك علمي